recent
أخبار ساخنة

المثقف العربي و"الإنسان الأنوي النادر" بقلم الهام عفيفي

المثقف العربي و"الإنسان الأنوي النادر" 

بقلم الهام عفيفي

منذ أيام شاهدت فيلم "شنبو في المصيدة"

وبغض النظر عن سذاجة الفيلم كمعظم الأفلام الكوميدية في تلك الفترة إلا أنني اعشق مشاهدة الكوميديا في شخصية البروفيسور "دارويش" والتي جسدها بخفة دم استثنائية عميد المسرح العربي يوسف وهبي وهو يصف استاذ المسرح المصري فؤاد المهندس في شخصية "شنبو" بأنه " إنسان أنوي نادر" محاولاً اقناعه بأن يجري عليه ابحاثه بوصفه عالما فذاً يكتشف سلالات ويدرس نفسيتها ويراقب ردود أفعالها. 

لا أدري لماذا تذكرني شخصيةالبروفيسور "دارويش" 

بشخصية المثقف العربي في ايامنا تلك فهو العلامة الفهامة الذي يعي مالا يعيه العامة وهو من يرى ما وراء الأشياء، ويدرك مالا يدركه غيره من خبايا، وحين تحاوره تكتشف سريعا أنه لا يدرك عن اهتمامات مجتمعه الا القشور، وأنه قد صنع لنفسه منبرا عاليا يخاطب فيه الناس من علٍ، ويتعامل بشكل متعالي ويكاد ينظر للناس بنظرة فيها توبيخ وأحيانا احتقار لعدم مقدرتهم على فهم فكره السامي.كانت الثقافة قديمًا تعني الدين أو الحكمة أو الفلسفة وكان المثقف هو النبي أو الحكيم أو الفيلسوف أو الأديب، وكان السلاطين والملوك يختارون لأبنائهم مؤدبين يعلمونهم مختلف الآداب والفنون والعلوم، وكل ما يحتاجونه ليصبحوا مؤهلين لإدارة دفة الحكم.

وقد عرّف تايلور الثقافة بأنها المركب الكلي الذي يجمع المعرفة والمعتقد والفن والأدب والأخلاق والقانون والعرف والقدرات والعادات الأخرى، التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع، بينما يرى كوينسي رايت أن الثقافة هي النمو التراكمي للتقنيات والعادات والمعتقدات لشعب من الشعوب ويعيش في حالة الاتصال المستمر بين أفراده، وينتقل هذا النمو التراكمي إلى الجيل الناشئ عن طريق الآباء وعبر العمليات التربوية.تعددت التعريفات التي تبرز بشكل واضح أهمية العقيدة ودور الدين في صنع الثقافة وتوجيه سلوك الإنسان؛ هذا لدى الغربيين..

أما عند العرب فالثقافة في اللغة العربية تعني

 الحذق والفهم، والتثقيف بمعنى التهذيب والتقويم والفطانة، فهل يعتبر هذا تعريفاً كافياً للثقافة في عصرنا؟ 

وقد عرّف مالك بن نبي الثقافة في كتابه (مشكلة الثقافة) بأنها

(مجموعة الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تؤثر في الفرد منذ ولادته، فتصبح لا شعورياً العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه)
اعتقد أن الثقافة هي المخزون الحي من المعارف والأفكار والمعتقدات والفنون والآداب والأخلاق والقوانين والأعراف والتقاليد والموروث التاريخي واللغوي والبيئي، الذي يتكون في العقل بشكل تراكمي فيمنح الإنسان الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تصوغ وعيه وبالتالي سلوكه في الحياة، حتى يتحول إلى عقيدة تحرك سلوكياته، وتحدد اتجاهات وسلوكه مع باقي أفراد مجتمعه.

ربما يختلف مفهوم الثقافة باختلاف الزمان والمكان،
ومن المهم ألا يرتبط هذا المفهوم بنخبة فكرية معينة، فالمثقف هو كل من يقوم بنشاط فكري أو ثقافي خارج نطاق مهمته، وأكثر ما يدهشني ذلك الانفصال بين المثقف وأفراد المجتمع، فالمثقف هو فرد من مجتمعه، وهمومه هي هموم مجتمعه، ولأن الاختلاف هو سنة الكون، فإن المجتمعات الإنسانية لا تحمل رؤية موحدة تجاه القضايا العامة، سواء في النظرة إلى التحديات التي تواجهها الأمة، أو في سبل الحل، لذا نجد ان هناك انقسامات اجتماعية تجاه القضايا الكبرى وهي ظاهرة إنسانية طبيعية تظهر حينما تتشكل الدولة بمؤسساتها العصرية، والمفترض حينها أن يساهم المثقفون في تحويل هذه الانقسامات إلى اجتهادات ومساهمات في إثراء الثقافة والفنون في هذه الدولة.

هذا هو الدور الرئيس الذي قام به المثقفون في بناء الحضارة الغربية، وإرساء دعائم أسهمت في تأسيس الحياة الديمقراطية وحرية الشعوب، وتنقية السلطة من قيود الثيوقراطية، ونشر القيم العقلانية والحداثة السياسية، وبالنظر إلى واقعنا العربي نجد أن الدور القيادي الذي اضطلع به المثقفون الغربيون هو الذي تحكم في التطورات الفكرية لدور المثقف العربي، الذي أخذ من نظريات الغرب، ولم يضع في حسبانه الاعتبارات الاجتماعية والاختلافات الاقتصادية بين مجتمعاتنا العربية والمجتمعات الغربية مما زاد أزمة الثقافة العربية بأكملها بدلاً من أن يساهم في حلها.

فالمثقف المصري والعربي

اليوم يختلف عن جيل طه حسين والعقاد، حيث كان القلم يخضع لمناهج واضحة في الاختلاف والنقد لا تتأثر بالمشاعر المبالغ فيها لعامة الناس، أما اليوم فالمثقف العربي مصاب بعقده نفسية نتيجة الأيدلوجيا؛ فنجد أن العلمانيين والدينيين يتعاركون من منطلق نفسي وليس فكري، فالمثقف صاحب الايدولوجية العلمانية قد يتخلى عن مبادئها فقط ليؤذي مثقف آخر ديني الأيدولوجية، والذي بدوره قد يتخلى عن أحد مبادئ دينه ليكيد لصاحب الفكر الليبرالي وهو نفسه قد يدفعه غضبه وتحامله على الديني بأن يتنازل عن شرط الحرية التي هي أصل انتمائه وفكره، الصراع بين الأيدولوجيات متمثلة في مثقفيها كبير والمشاعر النفسية تتغلب عليهم وهذا يعد مرضاً خطيراً.

لذلك لا بد أن يكون المثقف في مرحلة وسط بين الجماهير والسلطة، فينغمس مع الجماهير بعقله وليس بمشاعره يتعاطف معهم ويشعر بهم، ولكن لا يكون له نفسية وعاطفة المجتمع وإلا أصبح مثل عامة الناس، فهو الحكم بين المجتمع والسلطة، وبين الافكار والعادات والنفسيات والعواطف، وهذا موقف دقيق يحتاج علم وحكمة وضبط نفس ونزاهة.
يجب أن يكون المثقف شخصاً نبيلاً بدون عقد نفسية، يتشبع بثقافة أهله أولا، ثم يكون لديه أفكار مجردة يدرسها ويحللها ويفككها ويعيد تركيبها في إطار ثقافة مجتمعه ليبتكر طرقا جديدة يقدمها للعالم، فإذا اندمج في مجتمعه محاولاً نشر أفكاره وتطبيقها بين الناس، فقد ارتقى إلى مرتبة المصلح.

وأخيرا... يجب على المراهق الشرقي أن يبلغ رشده ويتحمل مسئولياته ويستعيد ثقافته العربية المتميزة التي تركها، وظل يطارد ثقافات مفتعلة لا تمثل مجتمعه ولا تقدم حلولا لمشاكله؟ لابد لهذا الطفل أن يقف على قدميه ويقول كلمته، ويتجاوز انفعالاته وتصنيفاته ويلتفت إلى تراثه ويحاول استغلال ما فيه من كنوز سبق واستغلها غيره فسبقه بسنين ضوئية..


بقلم الكاتبه
إلهـــــام عفيفـــي


author-img
مهندس محمد رفعت محمود

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent